فصل: 2150 - مسألة‏: إن قتل العبد أو المدبر أو أم الولد أو المكاتب مسلما خطأ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


كتاب العواقل

2143‏(‏مكرر‏)‏ - مسألة‏:‏ العواقل

قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدٍ رحمه الله ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْحٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ ‏:‏ كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ ‏,‏ ثُمَّ كَتَبَ اللَّهُ ‏:‏ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُتَوَالَى مَوْلَى رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ‏.‏ وَبِهِ ‏:‏ إلَى مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ‏,‏ ثُمَّ إنَّ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا ‏,‏ وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا‏.‏ وَبِهِ ‏:‏ إلَى مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نَضْلَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ ‏:‏ ضَرَبَتْ امْرَأَةٌ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ وَهِيَ حُبْلَى فَقَتَلَتْهَا وَإِحْدَاهُمَا لِحْيَانِيَّةٌ ‏,‏ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ ‏,‏ وَغُرَّةً لِمَا فِي بَطْنِهَا ‏,‏ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ ‏:‏ أَنَغْرَمُ دِيَةَ مَنْ لاَ أَكَلَ ، وَلاَ نَطَقَ ، وَلاَ اسْتَهَلَّ ‏,‏ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الأَعْرَابِ قَالَ ‏:‏ وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ الدِّيَةَ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

فَصَحَّ أَنَّ الدِّيَةَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَفِي الْغُرَّةِ الْوَاجِبُ فِي الْجَنِينِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ ‏,‏ وَالْجَانِي ‏,‏ بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ مَنْ هُمْ الْعَاقِلَةُ الْغَارِمَةُ لِدِيَةِ الْخَطَأِ ‏,‏ وَلِغُرَّةِ الْجَنِينِ ‏,‏ وَأَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ الْجَانِي الَّذِينَ هُمْ عَصَبَتُهُ وَمُنْتَهَاهُمْ الْبَطْنُ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ عَلَى مَا أَوْرَدْنَا آنِفًا مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَجُمْهُورُ النَّاسِ يَقُولُونَ ‏:‏ تَغْرَمُ الْعَاقِلَةُ الْمَذْكُورَةُ الدِّيَةَ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَرُوِيَ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ لاَ أَدْرِي مَا الْعَاقِلَةُ

وَرُوِيَ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ بِمَا

قلنا وَجُمْهُورُ النَّاسِ يَقُولُونَ ‏:‏ هَذِهِ الآثَارُ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهَا لِصِحَّتِهَا وَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ غَيْرُ هَذِهِ لاَ بَأْسَ بِذِكْرِ بَعْضِهَا وَإِنْ كَانَتْ لاَ حُجَّةَ فِيهَا لَكِنْ لِتُعْرَفَ ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ ‏:‏ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْلَ قُرَيْشٍ عَلَى قُرَيْشٍ ‏,‏ وَعَقْلَ الأَنْصَارِ عَلَى الأَنْصَارِ‏.‏ حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ ‏:‏ أَنْ يَعْقِلُوا مَعَاقِلَهُمْ ‏,‏ وَيَفْدُوا عَانِيَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ‏,‏ وَالْإِصْلاَحِ بَيْنَ النَّاسِ ‏:‏ فَالأَوَّلُ ‏:‏ مُنْقَطِعٌ ‏,‏ وَفِيهِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى ‏,‏ وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ‏.‏

وَالثَّانِي ‏:‏ فِيهِ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ سَاقِطٌ وَفِيهِ مِقْسَمٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

فإن قال قائل ‏:‏ كَيْفَ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِأَنْ تَغْرَمَ الْعَاقِلَةُ جَرِيرَةَ غَيْرِهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ‏}‏‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ ‏:‏ مَا ناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ التَّمِيمِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْهَاشِمِيُّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ ني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبْجَرَ عَنْ زِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ ‏:‏ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي فَقَالَ ‏:‏ مَنْ هَذَا مَعَكَ فَقَالَ ‏:‏ ابْنِي أَشْهَدُ بِهِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ أَمَا إنَّك لاَ تَجْنِي عَلَيْهِ ، وَلاَ يَجْنِي عَلَيْك‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَشْعَثَ ، هُوَ ابْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَهْدَمٍ الْيَرْبُوعِيِّ قَالَ ‏:‏ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَجَاءَ نَاسٌ مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالُوا ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلاَءِ بَنُو ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ قَتَلُوا فُلاَنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَتَفَ بِصَوْتِهِ ‏:‏ أَلاَ لاَ تَجْنِي نَفْسٌ عَلَى أُخْرَى‏.‏ وَبِهِ ‏:‏ إلَى مَحْمُودِ بْنِ غَيْلاَنَ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ ‏:‏ سَمِعْت الأَسْوَدَ بْنَ هِلاَلٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ ‏:‏ أَنَّ نَاسًا مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَجُلٌ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلاَءِ بَنُو ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ قَتَلُوا فُلاَنًا رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ عليه السلام لاَ تَجْنِي نَفْسٌ عَلَى أُخْرَى‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَجَوَابُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ أَنَّ هَذِهِ الأَحَادِيثَ وَإِنْ كَانَ فِي أَسَانِيدِهَا مُعْتَرِضٌ فَإِنَّ مَعْنَاهَا صَحِيحٌ ‏,‏ وَفِي الآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْتُمْ كِفَايَةٌ ‏;‏ لأََنَّهَا مُنْتَظِمَةٌ لِمَعْنَى هَذِهِ الأَحَادِيثِ‏.‏

ثم نقول وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ نَعَمْ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ بِأَنْ ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏}‏ ، وَأَنَّ ‏{‏كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ‏}‏ وَنَعَمْ ‏,‏ لاَ يَجْنِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ‏,‏ وَلاَ تَجْنِي نَفْسٌ عَلَى أُخْرَى ‏,‏ وَلَكِنَّ الَّذِي قَالَ هَذَا كُلَّهُ ‏,‏ وَحَكَمَ بِهِ ‏,‏ هُوَ أَيْضًا الْقَائِلُ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ‏.‏ وَهُوَ الْمُخْبِرُ لَنَا عَلَى لِسَانِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ عَفَا لَنَا عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَهُوَ تَعَالَى مَعَ ذَلِكَ الْمُوجِبُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ دِيَةً ‏,‏ وَكَفَّارَةَ عِتْقِ رَقَبَةٍ ‏,‏ أَوْ صِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَفَّارَةِ‏.‏ وَهُوَ الْمُوجِبُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه السلام عَلَى عَصَبَةِ قَاتِلِ الْخَطَأِ وَأَهْلِ بَطْنِهِ الَّذِي يَنْتَمِي إلَيْهِمْ دِيَةَ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً ‏,‏ وَالْغُرَّةَ الْوَاجِبَةَ فِي الْجَنِينِ ‏,‏ وَكُلٌّ قَوْلُ حَقٍّ ‏,‏ وَكُلٌّ حُكْمُهُ وَاجِبٌ ‏,‏ يُضَمُّ بَعْضُ ذَلِكَ إلَى بَعْضٍ ‏,‏ وَيُسْتَثْنَى الأَقَلُّ مِنْ الأَكْثَرِ‏.‏ وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَخْذُ بَعْضِ أَوَامِرِهِ دُونَ بَعْضٍ ‏,‏ وَلاَ ضَرْبُ أَحْكَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ ‏,‏ إذْ كُلُّهَا فَرْضٌ وَحَقٌّ ‏,‏ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا أَوْلَى بِالطَّاعَةِ لَهُ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ ‏,‏ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ تَكْلِيفُ أَحَدٍ غَرَامَةً عَنْ أَحَدٍ إِلاَّ أَنْ يُوجِبَهَا نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَوَاجِبٌ أَنْ نَنْظُرَ مَنْ الْعَصَبَةُ ‏,‏ وَالْبَطْنُ ‏,‏ وَالأَوْلِيَاءُ الَّذِينَ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الدِّيَةَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَالْغُرَّةَ فِي الْجَنِينِ فَوَجَدْنَا النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ ‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ الْعَاقِلَةُ هُمْ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي دِيوَانٍ وَاحِدٍ فِي الْعَطَاءِ ‏:‏ كَمَا ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ ‏:‏ سَمِعْت الزُّهْرِيَّ أَوْ بَلَغَنِي عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ الثُّلُثُ فِيمَا دُونَهُ ‏,‏ فِي خَاصَّةِ مَالِهِ يَعْنِي ‏:‏ مَالَ الْجَانِي ‏,‏ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ‏.‏ وَبِهِ ‏:‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُ ‏:‏ الدِّيَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يُقْضَى بِهَا وَالْعَاقِلَةُ ‏:‏ هُمْ أَهْلُ دِيوَانِهِ ‏,‏ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ أُعْطِيَّاتِهِمْ ‏,‏ حَتَّى يُصِيبَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ مِنْ الدِّيَةِ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ أَوْ ثَلاَثَةً ‏,‏ فَإِنْ أَصَابَهُ أَكْثَرُ ضَمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبَ الْقَبَائِلِ إلَيْهِمْ فِي النَّسَبِ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ‏.‏ وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ ‏,‏ فُرِضَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ الأَقْرَبِ فَالأَقْرَبِ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ وَيُضَمُّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَيْهِمْ فِي النَّسَبِ حَتَّى يُصِيبَ الرَّجُلُ مِنْ الدِّيَةِ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةً‏.‏ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ‏:‏ الدِّيَةُ تَكُونُ عِنْدَ الأَعْطِيَةِ عَلَى الرِّجَالِ‏.‏ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ ‏:‏ الْعَقْلُ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ فِي عَطِيَّةِ الْمُقَاتَلَةِ‏.‏ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ‏:‏ الْعَقْلُ عَلَى الْقَاتِلِ ‏,‏ وَعَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ يَأْخُذُ مَعَهُمْ الْعَطَاءَ ‏,‏ وَلاَ يَكُونُ عَلَى قَوْمِهِ مِنْهُ شَيْءٌ‏.‏

وقال مالك ‏:‏ الدِّيَةُ عَلَى الْقَبَائِلِ عَلَى الْغَنِيِّ قَدَرُهُ ‏,‏ وَمَنْ دُونَهُ عَلَى قَدْرِهِ ‏,‏ وَعَقْلُ الْمَوَالِي يَلْتَزِمُهُ أَهْلُ الْعَاقِلَةِ شَاءُوا أَمْ أَبَوْا ‏,‏ كَانُوا أَهْلَ دِيوَانٍ ‏,‏ أَوْ مُنْقَطِعِينَ قَدْ تَعَاقَلَ النَّاسُ زَمَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ ‏,‏ وَإِنَّمَا كَانَ الدِّيوَانُ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‏,‏ فَإِذَا انْقَطَعَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إلَى الْقُرَى ‏,‏ إلَى الْمَدِينَةِ ‏,‏ وَمَا يُشْبِهُهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْقُرَى فَسَكَنَهَا وَثَوَى بِهَا ‏:‏ رَأَيْت أَنْ يَضُمَّ عَقْلَهُ إلَى قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْقَرْيَةِ مَنْ يَحْمِلُ عَقْلَهُ مِنْ قَوْمِهِ ضُمَّ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِقَبِيلَتِهِ مِنْ الْقَبَائِلِ‏.‏

وقال الشافعي ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُمَا ‏:‏ الْعَقْلُ عَلَى ذَوِي الأَنْسَابِ دُونَ أَهْلِ الدِّيوَانِ ‏,‏ وَالْحُلَفَاءِ ‏:‏ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ مِنْ بَنِي أَبِيهِ ‏,‏ ثُمَّ مِنْ بَنِي جَدِّهِ ‏,‏ ثُمَّ مِنْ بَنِي جَدِّ أَبِيهِ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا بَعْدَ أَنْ رَجَعَتْ الأَقْوَالُ فِي ذَلِكَ إلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ فَقَطْ ‏:‏ أَحَدُهَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ مَعَهُ ‏:‏ عَلَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ ‏,‏ لاَ عَلَى عَصَبَةِ الْجَانِي‏.‏ وَالآخَرُ قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ مَعَهُ ‏:‏ أَنَّ الْعَاقِلَةَ عَلَى قَوْمِهِ الَّذِينَ مَعَهُ فِي الْمَدِينَةِ وَنَحْوِهَا ‏,‏ لاَ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي الْبَادِيَةِ‏.‏ وَالثَّالِثُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَمَنْ مَعَهُمَا ‏:‏ أَنَّ الْعَاقِلَةَ عَلَى الأَقْرَبِ فَالأَقْرَبِ مِنْ عَصَبَتِهِ ‏,‏ مِنْ بَنِي أَبِيهِ ‏,‏ ثُمَّ مِنْ بَنِي أَجْدَادِهِ أَبًا فَأَبًا فَوَجَدْنَا مَنْ جَعَلَ الْعَاقِلَةَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ خَاصَّةً يَقُولُونَ ‏:‏ إنَّ الدِّيَةَ كَانَتْ عَلَى الْقَبَائِلِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَعَلَهَا عُمَرُ عَلَى الدِّيوَانِ‏.‏ قَالُوا ‏:‏ فَإِنْ بَطَلَ الدِّيوَانُ رَجَعَ الأَمْرُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه لَمْ نَجِدْ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرَ هَذِهِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ بَاطِلٌ إنَّ الَّذِي ادَّعَوْهُ مِنْ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَبْطَلَ حُكْمَ الْعَاقِلَةِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَرَى عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ ‏,‏ وَأَحْدَثَ حُكْمًا آخَرَ ‏,‏ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ لاَ أَصْلَ لَهُ ‏,‏ وَكَذِبٌ مُفْتَرَى‏.‏ وَلَعَلَّ مُمَوِّهًا أَنْ يُمَوِّهَ فِي ذَلِكَ ‏:‏ بِمَا ناه مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَمَّنْ سَمِعَ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ ‏:‏ جَعَلَ عُمَرُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الأَعْطِيَةِ فَهَذَا مِمَّا لاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ ‏;‏ لأََنَّهُ عَمَّنْ لاَ يُدْرَى‏.‏ وَقَدْ

رُوِّينَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ‏:‏ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ لَمْ يُسَمِّهِ الثَّوْرِيُّ ‏:‏ لَوْ كَانَ فِي شَيْخِ الثَّوْرِيِّ خَيْرٌ لَبَرِحَ بِهِ ثُمَّ هُوَ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَلَمْ يُولَدْ الشَّعْبِيُّ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ وَقَدْ جَهَدْنَا أَنْ نَجِدَ هَذَا الَّذِي قَالُوهُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه فَمَا وَجَدْنَاهُ ، وَلاَ لَهُ أَصْلٌ أَلْبَتَّةَ وَرَحِمَ اللَّهُ الْقَائِلَ ‏:‏ الْإِسْنَادُ مِنْ الدِّينِ ‏,‏ وَلَوْلاَ الْإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ ‏,‏ وَأَنَّ الْمَحْفُوظَ عَنْ عُمَرَ خِلاَفُ هَذَا‏.‏ كَمَا ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي جِنَايَةٍ جَنَاهَا عُمَرُ ‏:‏ عَزَمْت عَلَيْك إِلاَّ قَسَمْت الدِّيَةَ عَلَى بَنِي أَبِيك فَقَسَمَهَا عَلَى قُرَيْشٍ ‏,‏ فَهَذَا حُكْمُ عُمَرَ ‏,‏ وَعَلِيٌّ ‏,‏ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ ‏,‏ وَلاَ يُعْرَفُ عَلَيْهِمَا مُنْكِرٌ مِنْهُمْ فِي قَسْمِ مَا تَغْرَمُهُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْقَبِيلَةِ ‏,‏ لاَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ ‏,‏ وَلاَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ خَاصَّةً كَمَا قَالَ مَالِكٌ ‏,‏ وَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا لَوْ وَجَدُوهُ‏.‏

وَأَمَّا عُمَرُ رضي الله عنه فَقَدْ نَزَّهَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَنْ يُبْطِلَ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحْدِثَ حُكْمًا آخَرَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ ‏,‏ وَلاَحَ فَسَادُهُ ‏,‏ وَضَعْفُ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ‏.‏ ثُمَّ نَظَرَنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُ قَدْ احْتَجَّ عَلَى مَنْ جَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَا ‏,‏ وَتِلْكَ الْحُجَّةُ بِعَيْنِهَا حُجَّةٌ عَلَيْهِ ‏,‏ فِي قَوْلِهِ ‏"‏ إنَّ مَنْ نَزَعَ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ إلَى قَرْيَةٍ مِنْ أُمَّهَاتِ الْقُرَى ‏,‏ كَالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا ‏,‏ فَإِنَّ الْعَاقِلَةَ عَنْهُ ‏:‏ أَهْلُ الْقُرَى ‏,‏ وَأَهْلُهُ بِالْبَادِيَةِ ‏"‏‏.‏ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ‏;‏ لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ‏,‏ وَلاَ سَقِيمَةٌ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ ‏,‏ وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ‏,‏ وَمَا عَلِمْنَاهُ قَالَ بِهِ أَحَدٌ قَبْلَ مَالِكٍ ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُهُ نَظَرٌ ‏,‏ وَلاَ قِيَاسٌ ‏:‏ فَبَطَلَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَلَمْ يَبْقَ إذْ بَطَلَ هَذَانِ الْقَوْلاَنِ إِلاَّ الْقَوْلُ الثَّالِثُ ‏,‏

وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا ‏,‏ وَهُوَ الْحَقُّ ‏;‏ لِمُوَافَقَتِهِ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الَّذِي هُوَ الْحُجَّةُ ‏,‏ فَوَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَرُدَّ إلَيْهِ النَّوَازِلَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ فَوَجَدْنَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَتَبَ عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ ‏,‏ وَجَاءَ حُكْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّيَةِ ‏,‏ وَفِي الْغُرَّةِ كَمَا قَدْ قَدَّمْنَا وَجَاءَ حُكْمُهُ عليه السلام ‏:‏ أَنَّ الْعَاقِلَةَ هُمْ الأَوْلِيَاءُ وَهُمْ الْعَصَبَةُ فَصَحَّ بِهَذَا مَا قُلْنَاهُ‏.‏

وَأَمَّا الأَثَرُ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ عَلَى قُرَيْشٍ عُقُولَهُ ‏,‏ وَعَلَى الأَنْصَارِ عُقُولَهُ فَإِنَّهُ مُرْسَلٌ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ‏.‏ فَوَجَبَ أَنْ نَبْدَأَ فِي الْعَقْلِ بِالْعَصَبَةِ كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ لاَ نَتَجَاوَزَ الْبَطْنَ ‏,‏ كَمَا حَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ لاَ يُلْتَفَتَ إلَى دِيوَانٍ ‏,‏ وَلاَ إلَى أَهْلِ مَدِينَةٍ ‏,‏ إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ ‏,‏ وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ‏,‏ وَلاَ قِيَاسٌ ‏,‏ لَكِنْ يُكَلَّفُ ذَلِكَ الْعَصَبَةُ حَيْثُ كَانُوا إلَى الْبَطْنِ ‏,‏ فَإِنْ جَهِلُوا أَوْ تَعَذَّرَ أَمْرُهُمْ لأَفْتِرَاقِ النَّاسِ فِي الْبِلاَدِ ‏,‏ الْعَصَبَةُ وَالْبَطْنُ حِينَئِذٍ مِنْ الْغَارِمِينَ ‏,‏ وَمِمَّنْ قَدْ لَزِمَتْهُمْ تِلْكَ الْغَرَامَةُ ‏,‏ وَوَجَبَتْ فِي أَمْوَالِهِمْ ‏,‏ فَإِذْ هُمْ مِنْ الْغَارِمِينَ فَيُؤَدَّى حَقُّهُمْ فِي الصَّدَقَاتِ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ فَيُؤَدَّى عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا حُكْمُ الْعَاقِلَةِ قَدْ بَيَّنَّاهُ وَأَوْضَحْنَاهُ‏.‏

2144 - مسألة‏:‏ هل تحمل العاقلة الصلح في العمد ‏,‏ أو الأعتراف بقتل الخطأ أو العبد المقتول في الخطأ‏؟‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ‏:‏ كَمَا ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ‏:‏ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ‏,‏ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ‏,‏ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حُسَيْنٍ أَبُو مَالِكٍ ‏:‏ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ الْعَمْدُ ‏,‏ وَالْعَبْدُ ‏,‏ وَالصُّلْحُ ‏,‏ وَالأَعْتِرَافُ فِي مَالِ الْجَانِي لاَ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ‏.‏ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ ‏:‏ اصْطَلَحَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنْ لاَ يَعْقِلُوا عَمْدًا ، وَلاَ عَبْدًا ‏,‏ وَلاَ صُلْحًا ‏,‏ وَلاَ اعْتِرَافًا‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ ‏:‏ لاَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا ، وَلاَ عَبْدًا ‏,‏ وَلاَ صُلْحًا ، وَلاَ اعْتِرَافًا وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ‏:‏ إِلاَّ أَنْ يَشَاءُوا‏.‏ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ ‏:‏ لاَ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ الْعَمْدَ ، وَلاَ الصُّلْحَ ‏,‏ وَلاَ الأَعْتِرَافَ ‏,‏ وَلاَ الْعَبْدَ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ ‏:‏ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لاَ تَحْمِلُ شَيْئًا مِنْ الْعَمْدِ إِلاَّ أَنْ تُعِينَهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ قَالَ مَالِكٌ ‏:‏ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مِثْلَ ذَلِكَ‏.‏ وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ‏:‏ لَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَقْلٌ مِنْ قِبَلِ الْعَمْدِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءُوا ذَلِكَ ‏,‏ إنَّمَا عَلَيْهِمْ عَقْلُ الْخَطَأِ‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏,‏ وَابْنُ شُبْرُمَةَ ‏,‏ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ‏,‏ وَالأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُمْ ‏:‏ لاَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ شَيْئًا مِنْ هَذَا كُلِّهِ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ شَيْئًا مِنْ هَذَا كُلِّهِ وَلَكِنْ تُعِينُهُ ‏;‏ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ ‏:‏ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَخْذُلُوهُ عَنْ شَيْءٍ أَصَابَهُ فِي الصُّلْحِ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ ‏:‏ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُعِينُوهُ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ غَيْرَ هَذَا لِمَا رُوِيَ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ ‏:‏ سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ رَجُلٌ حُرٌّ اسْتَقْبَلَ مَمْلُوكًا فَتَصَادَفَا فَمَاتَا جَمِيعًا فَقَالاَ جَمِيعًا ‏:‏ دِيَةُ الْعَبْدِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ ‏:‏ إنْ قَتَلَ رَجُلٌ عَبْدًا خَطَأً فَهُوَ عَلَى عَاقِلَتِهِ ‏,‏ وَإِنْ قَتَلَ دَابَّةً خَطَأً فَهُوَ عَلَى عَاقِلَتِهِ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ ‏,‏ وَالصَّلْتُ ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً بِالْبَصْرَةِ رَمَى إنْسَانًا ظَنَّ أَنَّهُ كَلْبٌ فَقَتَلَهُ ‏,‏ فَإِذَا هُوَ إنْسَانٌ فَلَمْ يَدْرِ النَّاسُ مَنْ قَاتِلُهُ ‏,‏ فَجَاءَ عَدِيُّ بْنُ أَرْطَاةَ فَأَخْبَرَهُ ‏:‏ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَسَجَنَهُ ‏,‏ وَكَتَبَ فِيهِ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَكَتَبَ إلَيْهِ ‏:‏ إنَّك بِئْسَ مَا صَنَعْت إذْ سَجَنْتَهُ وَقَدْ جَاءَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ ‏,‏ فَخَلِّ سَبِيلَهُ وَاجْعَلْ دِيَتَهُ عَلَى الْعَشِيرَةِ‏.‏ وَزَعَمَ الصَّلْتُ ‏:‏ أَنَّهُ مِنْ الأَزْدِ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ ، وَأَنَّ الْقَاتِلَ كَانَ عَاسًّا يَعُسُّ‏.‏ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ ‏:‏ الْعَبْدُ تَحْمِلُ قِيمَتَهُ الْعَاقِلَةُ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ ‏:‏ لاَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا ‏,‏ وَلاَ عَبْدًا ‏,‏ وَلاَ صُلْحًا ‏,‏ وَلاَ اعْتِرَافًا فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ ‏:‏ إنَّ هَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ‏,‏ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ‏,‏ إذْ لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ الْقَوْلِ الثَّانِي ‏:‏ فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ مَا رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ ‏:‏ لاَ تَتْرُكُوا مُفْرَجًا أَنْ تُعِينُوهُ فِي فِكَاكٍ أَوْ عَقْلٍ وَالْمُفْرِجُ ‏:‏ كُلُّ مَا لاَ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَهَذَا مُرْسَلٌ يُوجِبُ أَنْ تُعِينَ الْعَاقِلَةُ فِيمَا لَمْ تَحْمِلْ جَمِيعَهُ وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا مِنْ عُمَرَ كَمَا ذَكَرْنَا‏.‏

وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي مُرْسَلٍ ‏,‏ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيمَا احْتَجُّوا بِهِ حُجَّةٌ وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ فَبَدَأْنَا بِالْعَمْدِ مَا أُلْزِمَ فِيهِ دِيَةٌ ‏,‏ أَوْ صُولِحَ فِيهِ ‏,‏ فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ نُكَلِّفَ عَاقِلَةً غَرَامَةً حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام ‏,‏ وَلَمْ يُوجِبْهَا قَطُّ نَصٌّ ثَابِتٌ فِي الْعَمْدِ ‏,‏ فَوَجَبَ أَنْ لاَ تَحْمِلَ الْعَاقِلَةُ الْعَمْدَ ‏,‏ وَلاَ الصُّلْحَ فِي الْعَمْدِ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الأَعْتِرَافِ بِقَتْلِ الْخَطَأِ ‏,‏ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏}‏‏.‏ وَوَجَدْنَا الْمُقِرَّ بِقَتْلِ الْخَطَأِ لَيْسَ مُقِرًّا عَلَى نَفْسِهِ ‏;‏ لأََنَّ الدِّيَةَ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ ‏,‏ لاَ عَلَيْهِ ‏,‏ فَإِذْ لَيْسَ مُقِرًّا عَلَى نَفْسِهِ فَوَاجِبٌ أَنْ لاَ يُصَدَّقَ عَلَيْهِمْ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّنَا نَقُولُ ‏:‏ إنَّهُ إنْ كَانَ عَدْلاً حَلَفَ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ مَعَهُ وَاسْتَحَقُّوا الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ ‏,‏ فَإِنْ نَكَلُوا فَلاَ شَيْءَ لَهُمْ‏.‏ فَلَوْ أَقَرَّ اثْنَانِ عَدْلاَنِ بِقَتْلِ خَطَأٍ وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمَا بِلاَ يَمِينٍ ‏,‏ لأََنَّهُمَا شَاهِدَا عَدْلٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ‏:‏ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ‏:‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏,‏ وَالأَوْزَاعِيُّ ‏,‏ وَالثَّوْرِيُّ ‏:‏ الدِّيَةُ عَلَى الْمُقِرِّ فِي مَالِهِ‏.‏

وقال مالك ‏:‏ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ وَإِنْ لَمْ يُتَّهَمْ بِمَنْ أَقَرَّ لَهُ أَقْسَمَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ ‏,‏ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْعَبْدِ يُقْتَلُ خَطَأً ‏,‏ هَلْ تَحْمِلُ قِيمَتَهُ الْعَاقِلَةُ أَمْ لاَ فَوَجَدْنَا مَنْ لَمْ تَحْمِلْهُ الْعَاقِلَةُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ إِلاَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلٌ لَمْ يَصِحَّ عَنْ عُمَرَ كَمَا ذَكَرْنَا ‏,‏ لأََنَّهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ يُولَدْ الشَّعْبِيُّ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ رضي الله عنه بِسِنِينَ ، وَلاَ نَعْلَمُهُ أَيْضًا يَصِحُّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

وَقَدْ ذَكَرْنَا قَضَايَا عَظِيمَةً عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، خَالَفُوهَا ‏,‏ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ‏,‏ فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ التَّنَازُعِ ‏,‏ إذْ يَقُولُ تَعَالَى ‏{‏فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ‏}‏ الآيَةَ ‏,‏ فَفَعَلْنَا‏.‏ فَوَجَدْنَا مَا ناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏:‏ أَنَّ مُكَاتَبًا قُتِلَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ عليه السلام أَنْ يُودَى مَا أَدَّى دِيَةَ الْحُرِّ ‏,‏ وَمَا لاَ دِيَةَ الْمَمْلُوكِ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ ‏:‏ إنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ‏,‏ وَمَرْوَانَ كَانَا يَقُولاَنِ فِي الْمُكَاتَبِ أَنَّهُ يُودَى مِنْهُ دِيَةَ الْحُرِّ بِقَدْرِ مَا أَدَّى ‏,‏ وَمَا رُقَّ مِنْهُ دِيَةَ الْعَبْدِ‏.‏ فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْحُجَّةُ فِي الدِّينِ سَمَّى مَا يُودَى فِي قَتْلِ الْعَبْدِ ‏"‏ دِيَةً ‏"‏ وَسَمَّاهُ أَيْضًا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ ‏"‏ دِيَةً ‏"‏‏.‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّ الدِّيَةَ فِي النَّفْسِ فِي الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً ‏:‏ كَفَّارَةً بِعِتْقِ رَقَبَةٍ ‏,‏ أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً فَصَحَّ بِالنَّصِّ ‏,‏ وَالْإِجْمَاعِ ‏:‏ أَنَّ مَا يُودَى فِي الْعَبْدِ دِيَةٌ ‏,‏ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَبِهَذَا نَقُولُ‏.‏

وَأَمَّا الدِّيَةُ وَسَائِرُ الأَمْوَالِ فَلاَ ‏;‏ لأََنَّهُ لاَ يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ‏"‏ دِيَةً ‏"‏ وَالأَمْوَالُ مَحْظُورَةٌ إِلاَّ بِنَصٍّ ‏,‏ أَوْ إجْمَاعٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2145 - مسألة‏:‏ مقدار ما تحمله العاقلة

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ قَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مِنْ جِنَايَاتِ الْخَطَأِ إِلاَّ مَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ فَصَاعِدًا ‏,‏ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ كَانَ الثُّلُثَ ‏,‏ فَهُوَ فِي مَالِ الْجَانِي‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ إِلاَّ مَا كَانَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَصَاعِدًا ‏,‏ فَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ فَهُوَ فِي مَالِ الْجَانِي‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ الثُّلُثُ فَصَاعِدًا عَلَى الْعَاقِلَةِ ‏,‏ وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَعَلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ إِلاَّ مَا كَانَ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ فَصَاعِدًا ‏,‏ وَمَا كَانَ أَقَلَّ فَهُوَ فِي مَالِ الْجَانِي‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ إنْ جَنَتْ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ ‏,‏ فَبَلَغَتْ ثُلُثَ دِيَتِهَا كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ ‏,‏ وَإِنْ بَلَغَ أَقَلَّ فَفِي مَالِهِ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَبَلَغَ نِصْفَ عُشْرِ دِيَتِهَا حَمَلَتْهُ عَاقِلَةُ الْجَانِي رَجُلاً كَانَ أَوْ امْرَأَةً وَإِنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ رَجُلاً فَبَلَغَ نِصْفَ عُشْرِ دِيَتِهِ فَإِنَّهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي رَجُلاً كَانَ أَوْ امْرَأَةً وَمَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَفِي مَالِ الْجَانِي‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ تَآلَفُوا عَلَى الْكَثِيرِ فَقَطْ حَمَلُوا الْكَثِيرَ فَقَطْ وَلَمْ تَحُدَّ لِلْقَلِيلِ ، وَلاَ لِلْكَثِيرِ حَدًّا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَالْقَوْلُ الأَوَّلُ كَمَا رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ الثُّلُثُ فَمَا دُونَهُ فِي خَاصَّةِ مَالِهِ وَمَا زَادَ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي كَمَا رُوِيَ ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ أَخْبَرَنِي ابْنُ سَمْعَانَ قَالَ ‏:‏ سَمِعْت رِجَالاً مِنْ عُلَمَائِنَا يَقُولُونَ ‏:‏ قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الدِّيَةِ أَنْ لاَ يُحْمَلَ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ حَتَّى تَبْلُغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ عَقْلُ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ فَإِذَا بَلَغَتْ ذَلِكَ فَصَاعِدًا حُمِلَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ‏.‏ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏,‏ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُهُ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ مِثْلُهُ‏.‏ وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ‏:‏ مَا كَانَ مِنْ خَطَأٍ فَلَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ عَلَى ذَلِكَ أَمْرُ السُّنَّةِ‏.‏ وَعَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ ‏:‏ إنَّ مِنْ الأَمْرِ الْقَدِيمِ عِنْدَنَا أَنْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَقْلٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْجُرْحُ ثُلُثَ الدِّيَةِ‏.‏ وَعَنْ رَبِيعَةَ لاَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مَا دُونَ الثُّلُثِ إِلاَّ أَنْ يَصْطَلِحُوا عَلَى شَيْءٍ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏,‏ وَمَعْمَرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ ‏:‏ نَحْنُ مُجْتَمِعُونَ أَوْ قَدْ كِدْنَا أَنْ نَجْتَمِعَ ‏:‏ أَنَّ مَا دُونَ الثُّلُثِ فِي مَالِهِ خَاصَّةً‏.‏ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى فِي مَوْلًى جُرِحَ ‏,‏ فَكَانَ دُونَ الثُّلُثِ مِنْ الدِّيَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا يُتْبَعُ بِهِ وَبِهَذَا يَقُولُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ قَالَ مَالِكٌ ‏:‏ مَا بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ مِنْ الرَّجُلِ مِنْ جِنَايَةِ الرَّجُلِ جَرَحَ رَجُلاً أَوْ امْرَأَةً فَعَلَى الْعَاقِلَةِ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَفِي مَالِهِ ‏,‏ وَمَا بَلَغَ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَرْأَةِ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ فَمَا كَانَ أَقَلَّ فَفِي مَالِهِ سَوَاءٌ جَرَحَتْ رَجُلاً أَوْ امْرَأَةً‏.‏ وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ كَمَا رُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ ‏:‏ لاَ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ‏.‏ قَالَ وَكِيعٌ ‏:‏ وَسَمِعْت سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ ‏:‏ لاَ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مُوضِحَةَ الْمَرْأَةِ إِلاَّ فِي قَوْلِ مَنْ رَآهَا كَمُوضِحَةِ الرَّجُلِ

وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ‏.‏

وَأَمَّا الْقَوْلُ الْخَامِسُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ قَالُوا بِهِ فَرَاعَوْا الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ ‏,‏ قَالُوا ‏:‏ فَإِنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ امْرَأَةً فَبَلَغَتْ الْجِنَايَةُ نِصْفَ عُشْرِ دِيَتِهَا فَصَاعِدًا فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ ‏,‏ فَإِنْ بَلَغَتْ أَقَلَّ فَهِيَ فِي مَالِ الْجَانِي رَجُلاً كَانَ أَوْ امْرَأَةً فَإِنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ رَجُلاً فَبَلَغَتْ الْجِنَايَةُ نِصْفَ عُشْرِ دِيَتِهِ فَصَاعِدًا فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ ‏,‏ فَإِنْ بَلَغَتْ أَقَلَّ فَفِي مَالِ الْجَانِي رَجُلاً كَانَ أَوْ امْرَأَةً‏.‏ وَالْقَوْلُ السَّادِسُ كَمَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْحٍ عَنْ عَطَاءٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ إذَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ ‏,‏ وَقَالَ لِي ذَلِكَ ابْنُ أَيْمَنَ ‏,‏ وَلاَ أَشُكُّ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ فَمَا لَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثَ فَعَلَى قَوْمِ الرَّجُلِ خَاصَّةً‏.‏ وَالْقَوْلُ السَّابِعُ كَمَا رُوِيَ ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ ‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ جِرَاحٍ أَوْ دَمٍ كَانَ خَطَأً ‏,‏ فَإِنَّ عَقْلَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ الْقَبِيلَةُ مِنْ الْخَطَأِ عَلَى مَا ائْتَلَفُوا عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ إلْفَتُهُمْ عَلَى الْكَثِيرِ ‏,‏ وَلَيْسَتْ عَلَى الْقَلِيلِ ‏,‏ فَإِنَّ عَقْلَ مَا ائْتَلَفُوا عَلَيْهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَعَقْلَ مَا لَمْ يَأْتَلِفُوا عَلَيْهِ عَلَى الْجَارِحِ فِي مَالِهِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اصْطَلَحَتْ عَلَيْهِ الْقَبِيلَةُ بَأْسٌ‏.‏ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَلَّفَ مُعَقِّلَةَ قُرَيْشٍ ‏,‏ إذْ كَانَ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ ‏:‏ عَلَى أَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَمَا فَوْقَهَا ‏,‏ وَأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ عَلَى الْجَارِحِ فِي مَالِهِ‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّامِنُ قَالَهُ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏:‏ أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا قَوْلَ عَطَاءٍ وَغَيْرِهِ ‏:‏ أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُ ثَمَنَ الْعَبْدِ وَلَمْ يَخُصَّ قَلِيلاً مِنْ كَثِيرٍ

وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ ‏:‏ إنَّ الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ فِي مَالِ الْجَانِي ‏,‏ وَإِنَّ مَا زَادَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَوَجَدْنَاهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ نَعْلَمُهَا أَصْلاً فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ ‏,‏ إذْ كُلُّ قَوْلٍ لاَ حُجَّةَ لَهُ ‏,‏ فَهُوَ سَاقِطٌ لاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْقَوْلِ الثَّانِي فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ ‏:‏ مَا رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ رَبِيعَةَ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّفَ بَيْنَ النَّاسِ فِي مَعَاقِلِهِمْ فَكَانَتْ بَنُو سَاعِدَةَ فُرَادَى عَلَى مَعْقُلَةٍ يَتَعَاقَلُونَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَصَاعِدًا ‏,‏ وَيَكُونُ مَا دُونَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ اكْتَسَبَ وَجَنَى‏.‏ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ ‏:‏ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ عَنْ رَبِيعَةَ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ عَاقَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ ‏:‏ فَجَعَلَ الْعَقْلَ بَيْنَهُمْ إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ‏.‏ وَمَا ناه حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ شَيْبَةَ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ ‏:‏ كُنَّا فِي جَاهِلِيَّتِنَا وَإِنَّمَا نَحْمِلُ مِنْ الْعَقْلِ مَا بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ ‏,‏ وَنُؤْخَذُ بِهِ حَالًّا ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَنَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَتَجَازَى ‏,‏ فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلاَمِ كُنَّا فِيمَنْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَعَاقِلِ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ ‏:‏ ثُلُثَ الدِّيَةِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِي هَذَا الأَحْتِجَاجِ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُ لاَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ ‏;‏ لأََنَّ الْخَبَرَيْنِ عَنْ رَبِيعَةَ مُرْسَلاَنِ‏.‏ أَمَّا الْمُسْنَدُ فَهَالِكٌ أَلْبَتَّةَ ‏;‏ لأََنَّهُ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ‏,‏ تُرِكَ بِأَخَرَةٍ وَهُوَ أَيْضًا عَنْ الْوَاقِدِيِّ ‏,‏ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ‏.‏ ثُمَّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ‏.‏ وَرُبَّ مُرْسَلٍ أَصَحَّ مِنْ هَذَا قَدْ تَرَكُوهُ ‏,‏ كَالْمُرْسَلِ فِي ‏:‏ أَنَّ فِي الْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ ‏:‏ ثُلُثَ دِيَتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ‏.‏

وَأَمَّا كَوْنُهُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه فَهُوَ مُرْسَلٌ ، عَنِ ابْنِ سَمْعَانَ وَابْنِ سَمْعَانَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ‏.‏ وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ بِمَا هُوَ أَصَحُّ مِنْ حُكْمِهِ ‏:‏ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبُعُ ثَمَنِهَا ‏,‏ وَكِتَابُهُ بِذَلِكَ إلَى الْقُضَاةِ فِي الْبِلاَدِ ‏,‏ وَمِنْ خُطْبَتِهِ عَلَى الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَنَّ فِي الضِّلْعِ جَمَلاً ‏,‏ وَفِي التَّرْقُوَةِ جَمَلاً‏.‏ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ عُمَرَ قَدْ صَحَّ عَنْهُ لَيْسَ حُجَّةً ‏,‏ وَيَكُونَ قَوْلٌ مَكْذُوبٌ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ حُجَّةً فَسَقَطَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ ‏:‏ لاَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مَا دُونَ نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْ الدِّيَةِ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً إِلاَّ أَنْ قَالُوا ‏:‏ إنَّ الأَمْوَالَ لاَ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ ‏;‏ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَرْشٌ مُؤَقَّتٌ لاَ يَتَعَدَّى وَوَجَدْنَا ثُلُثَ الدِّيَةِ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ ‏;‏ لأََنَّ فِيهَا أَرْشًا مَعْلُومًا لاَ يَتَعَدَّى ‏,‏ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ كُلُّ مَا لَهُ أَرْشٌ مَحْدُودٌ فَتَحَمَّلَهُ الْعَاقِلَةُ ‏,‏ وَمَا لاَ أَرْشَ لَهُ مَحْدُودًا فَلاَ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ‏,‏ وَقَوْلٌ كَاذِبٌ ‏,‏ وَبَاطِلٌ مَوْضُوعٌ ‏,‏ وَلاَ نَدْرِي أَيْنَ وَجَدُوا هَذَا إِلاَّ بِظُنُونٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏إنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا‏}‏‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي تَقْسِيمِ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَالِكٍ ‏,‏ وَمُرَاعَاةِ مَالِكٍ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ هِيَ الْجَانِيَةَ ‏,‏ أَوْ ثُلُثَ دِيَةِ الرَّجُلِ إذَا كَانَ هُوَ الْجَانِيَ ‏,‏ وَمُرَاعَاةِ أَبِي حَنِيفَةَ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ خَاصَّةً رَجُلاً كَانَ أَوْ امْرَأَةً فَوَجَدْنَاهُمَا تَقْسِيمَيْنِ لَمْ يَسْبِقْ أَبَا حَنِيفَةَ إلَى تَقْسِيمِهِ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ ‏,‏ وَلاَ سَبَقَ مَالِكًا فِي تَقْسِيمِهِ هَذَا أَحَدٌ نَعْلَمُهُ ‏,‏ وَلَئِنْ جَازَ لأََبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَالِكٍ أَنْ يَقُولاَ قَوْلاً بِرَأْيِهِمَا لاَ يُعْرَفُ لَهُ قَائِلٌ قَبْلَهُمَا ‏,‏ فَمَا حَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِمَا ‏,‏ وَلاَ أَبَاحَ لَهُمَا مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يُبِحْهُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ دُونَهُمَا ‏,‏ لاَ سِيَّمَا مَنْ قَالَ بِمَا أَوْجَبَهُ الْقُرْآنُ ‏,‏ وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ مَنْ صَوَّبَ لِمَالِكٍ ‏,‏ وَلأََبِي حَنِيفَةَ قَوْلاً بِالرَّأْيِ لَمْ يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا قَالَ بِهِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَالَ مُتَّبِعًا لِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَكَلاَمِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلاً لَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ ، أَنَّهُ قَالَ بِهِ ‏,‏ وَلاَ صَحَّ إجْمَاعٌ بِخِلاَفِهِ فَمَا تَرَكَ لِلْبَاطِلِ شَغَبًا ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ ‏:‏ مَا كَانَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَصَاعِدًا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ ‏,‏ وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ فَعَلَى قَوْمِ الْجَانِي خَاصَّةً فَوَجَدْنَاهُ لاَ حُجَّةَ لَهُ فِيهِ فَسَقَطَ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا حَكَاهُ أَبُو الزِّنَادِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ الْقَبَائِلُ وَتَرَاضَتْ بِهِ فَقَطْ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُ مُخْبِرًا عَنْ حَقِيقَةِ الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ‏.‏ وَصَحَّ بِإِخْبَارِ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ لاَ سُنَّةَ فِيهِ ‏,‏ وَإِنَّمَا هُوَ تَرَاضٍ فَقَطْ فَهَذَا لاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ قَطْعًا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ ‏:‏ إنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فَوَجَدْنَا حُجَّتَهُمْ أَنْ قَالُوا ‏:‏ لَمَّا حَمَلَتْ الدِّيَةَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ كَانَ حَمْلُهَا لِبَعْضِ الدِّيَةِ وَلِلْقَلِيلِ أَوْلَى ‏,‏ إذْ مَنْ حَمَلَ الْكَثِيرَ وَجَبَ أَنْ يَحْمِلَ الْقَلِيلَ وَهَذَا قِيَاسٌ ‏,‏ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَصَحَّ أَنَّهَا آرَاءٌ مُجَرَّدَةٌ لاَ سُنَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَلاَ إجْمَاعَ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ التَّنَازُعِ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا‏}‏ الآيَةَ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ‏}‏‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ‏.‏ فَوَجَبَ أَنْ لاَ تَلْزَمَ الْعَاقِلَةَ غَرَامَةٌ أَصْلاً إِلاَّ حَيْثُ أَوْجَبَهَا النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ بِإِيجَابِ دِيَةِ النَّفْسِ فِي الْخَطَأِ عَلَيْهَا وَصَحَّ النَّصُّ بِإِيجَابِ الْغُرَّةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْجَنِينِ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا ‏,‏ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ بِأَنْ تَلْزَمَ غَرَامَةٌ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا فَوَجَبَ أَنْ لاَ يَجِبَ عَلَيْهَا غَرَامَةٌ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام ، وَلاَ يَصِحُّ فِيهَا كَلِمَةٌ عَنْ صَاحِبٍ أَصْلاً ‏,‏ وَإِنَّمَا فِيهَا آثَارٌ عَنْ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ التَّابِعِينَ مُخْتَلِفِينَ غَيْرَ مُتَّفِقِينَ فَصَحَّ أَنَّهَا أَقْوَالٌ عُذِرَ قَائِلُهَا بِالأَجْتِهَادِ وَقَصْدِ الْخَيْرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2146 - مسألة‏:‏ هل يغرم الجاني مع العاقلة أم لا‏؟‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ‏:‏ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَالِكٌ ‏,‏ وَاللَّيْثُ ‏,‏ وَابْنُ شُبْرُمَةَ ‏:‏ يَغْرَمُ الْقَاتِلُ خَطَأً مَعَ عَاقِلَتِهِ‏.‏ وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ ‏,‏ وَالْحَسَنُ ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابُنَا ‏:‏ لاَ يَدْخُلُ مَعَهُمْ فِي الْغَرَامَةِ‏.‏

وقال الشافعي ‏:‏ هِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ ‏,‏ فَمَا عَجَزَتْ عَنْهُ الْعَاقِلَةُ فَهُوَ فِي مَالِهِ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا ‏:‏ فَوَجَدْنَا الْمُوجِبِينَ عَلَى الْقَاتِلِ خَطَأً أَنْ يَغْرَمَ مَعَ عَاقِلَتِهِ يَقُولُونَ ‏:‏ إنَّ سَعْدَ بْنَ طَارِقٍ رَوَى عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُعَيْمٍ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ قَتَلْتُ يَوْمَ الْيَمَامَةِ رَجُلاً ظَنَنْته كَافِرًا ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ اللَّهُمَّ إنِّي مُسْلِمٌ بَرِيءٌ مِمَّا جَاءَ بِهِ مُسَيْلِمَةُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ الدِّيَةُ عَلَيْك وَعَلَى قَوْمِك‏.‏ قَالُوا ‏:‏

وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ‏,‏ وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ السَّلَفِ مُخَالِفٌ‏.‏ وَقَالُوا ‏:‏ إنَّمَا الْغُرْمُ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَغْرَمُ عَنْهُ عَلَى وَجْهِ النُّصْرَةِ لَهُ ‏,‏ فَهُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ فِي نَفْسِهِ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا ‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُ لاَ حُجَّةَ لَهُ أَصْلاً ‏,‏ لاَ مِنْ قُرْآنٍ ‏,‏ وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ ‏,‏ وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ ‏,‏ وَلاَ تَابِعٍ ‏,‏ وَلاَ قِيَاسٍ ‏,‏ وَلاَ وَجَدْنَاهُ لأََحَدٍ قَبْلَهُ فَسَقَطَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ الأَوْزَاعِيِّ ‏,‏ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ ‏,‏ فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَكَمَ بِالدِّيَةِ عَلَى عَصَبَةِ الْعَاقِلَةِ ‏:‏ كَمَا رُوِّينَاهُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ‏,‏ ثُمَّ إنَّ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ ‏,‏ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا ، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نَضْلَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ ‏:‏ ضَرَبَتْ امْرَأَةٌ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ فَقَتَلَتْهَا وَإِحْدَاهُمَا لِحْيَانِيَّةٌ ‏,‏ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ ‏,‏ وَغُرَّةً لِمَا فِي بَطْنِهَا ‏,‏ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ ‏:‏ أَنَغْرَمُ دِيَةَ مَنْ لاَ أَكَلَ ، وَلاَ نَطَقَ ، وَلاَ اسْتَهَلَّ ‏,‏ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الأَعْرَابِ وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ الدِّيَةَ فَهَذَا نَصُّ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَرَاءَةِ الْجَانِيَةِ مِنْ الدِّيَةِ جُمْلَةً ‏,‏ وَأَنَّ مِيرَاثَهَا لِزَوْجِهَا وَبَنِيهَا ‏,‏ لاَ مَدْخَلَ لِلْغَرَامَةِ فِيهِ ‏,‏ وَالدِّيَةُ عَلَى عَصَبَتِهَا ‏,‏ وَهِيَ لَيْسَتْ عَصَبَةً لِنَفْسِهَا ‏,‏ لاَ فِي شَرِيعَةٍ ‏,‏ وَلاَ فِي لُغَةٍ‏.‏ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لاَ يَغْرَمُ الْجَانِي خَطَأً مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ ‏,‏ وَلاَ مِنْ الْغُرَّةِ شَيْئًا

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَإِنْ عَجَزَتْ الْعَاقِلَةُ ‏:‏ فَالدِّيَةُ ‏,‏ وَالْغُرَّةُ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ مِنْ الزَّكَاةِ ‏;‏ لأََنَّهُمْ غَارِمُونَ ‏,‏ فَحَقُّهُمْ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَلأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ بِالدِّيَةِ عَلَى أَوْلِيَائِهَا‏.‏

وبرهان آخَرُ ‏:‏ وَهُوَ أَنَّ الأَمْوَالَ مُحَرَّمَةٌ إِلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْحَقِّ عَلَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَغْرَمُ الدِّيَةَ ‏,‏ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ بِأَنَّ الْقَاتِلَ يَغْرَمُ مَعَهُمْ شَيْئًا ‏,‏ فَلَمْ يَحِلَّ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِعُمَرَ رضي الله عنه وَهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ نَفْسِهِ ‏,‏ وَفِي غَيْرِهِ ‏,‏ فَمِمَّا حَضَرَنَا ذِكْرُهُ مِنْ ذَلِكَ ‏:‏ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً فَقَأَ عَيْنَ نَفْسِهِ خَطَأً ‏,‏ فَقَضَى لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّيَةِ فِيهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا‏.‏

2147 - مسألة‏:‏ كم يغرم كل رجل من العاقلة

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ قَدْ قلنا ‏:‏ مِنْ الْعَاقِلَةِ‏.‏ ثُمَّ وَجَبَ النَّظَرُ ‏:‏ أَيَدْخُلُ فِيهَا ‏:‏ الصِّبْيَانُ ‏,‏ وَالْمَجَانِينُ ‏,‏ وَالنِّسَاءُ ‏,‏ وَالْفُقَرَاءُ أَمْ لاَ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَصَبَةِ ‏,‏ وَلَيْسَ النِّسَاءُ عَصَبَةً أَصْلاً ‏,‏ وَلاَ يَقَعُ عَلَيْهِنَّ هَذَا الأَسْمُ ‏,‏ وَالأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ إِلاَّ بِنَصٍّ ‏,‏ أَوْ إجْمَاعٍ ‏,‏ وَلاَ نَصَّ ، وَلاَ إجْمَاعَ فِي إيجَابِ الْغُرْمِ عَلَى نِسَاءِ الْقَوْمِ فِي الدِّيَةِ الَّتِي تَغْرَمُهَا الْعَاقِلَةُ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْفُقَرَاءِ ‏,‏ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا‏}‏‏.‏ وَ ‏{‏لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏إِلاَّ مَا آتَاهَا‏}‏‏.‏ فَهَذَا عُمُومٌ فِي كُلِّ نَفَقَةٍ فِي بِرٍّ ‏,‏ يُكَلَّفُهَا الْمَرْءُ ‏,‏ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهَذَا الْحُكْمِ نَفَقَةٌ دُونَ نَفَقَةٍ لأََنَّهَا قَضِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا ‏,‏ فَلاَ يَحِلُّ الْقَطْعُ لأََحَدٍ ‏:‏ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ مَا قَبْلَهَا خَاصَّةً فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الْفُقَرَاءَ خَارِجُونَ مِمَّا تُكَلَّفُهُ الْعَاقِلَةُ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ ‏,‏ فَوَجَدْنَا اسْمَ ‏"‏ عَصَبَةٍ ‏"‏ يَقَعُ عَلَيْهِمْ ‏,‏ وَلَمْ نَجِدْ نَصًّا ، وَلاَ إجْمَاعًا عَلَى إخْرَاجِهِمْ عَنْ هَذِهِ الْكُلْفَةِ ‏,‏ بَلْ قَدْ وَجَدْنَا أَحْكَامَ غَرَامَاتِ الأَمْوَالِ تَلْزَمُهُمْ ‏,‏ كَالزَّكَاةِ الَّتِي قَدْ صَحَّ النَّصُّ بِإِيجَابِهَا عَلَيْهِمْ ‏,‏ وَأَجْمَعَ الْحَاضِرُونَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ زَكَاةَ مَا أَخْرَجَتْ الأَرْضُ ‏,‏ وَالثِّمَارِ عَلَيْهِمْ ‏,‏ وَأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَيْهِمْ ‏,‏ وَأَنَّ النَّفَقَاتِ عَلَى الأَوْلِيَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ عَلَيْهِمْ‏.‏ وَلَمْ نَحْتَجَّ بِهَذَا لأََنْفُسِنَا ‏,‏ لَكِنْ عَلَى الْمُخَالِفِينَ لَنَا ‏,‏ لأََنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ ‏,‏ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَمْوَالِ الصِّبْيَانِ ‏,‏ وَالْمَجَانِينِ ‏,‏ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ لُزُومِ النَّفَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ لَهُمْ ‏,‏ وَبَيْنَ لُزُومِ الدِّيَةِ مَعَ سَائِرِ الْعَصَبَةِ لَهُمْ لاَ سِيَّمَا وَهُمْ يَرَوْنَ الدِّيَةَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ‏,‏ إذَا قَتَلَ ‏,‏ وَيَرَوْنَ أُرُوشَ الْجِرَاحَاتِ عَلَيْهِمْ أَيْضًا وَهَذَا تَنَاقُضٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ فَأَنْتُمْ لاَ تَرَوْنَ الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ ، وَلاَ عَنْهُمْ فِيمَا جَنَوْهُ ‏,‏ ثُمَّ تَرَوْنَهَا عَلَيْهِمْ فِيمَا جَنَاهُ غَيْرُهُمْ

قلنا نَعَمْ ‏;‏ لأََنَّنَا لاَ نَقُولُ بِالْمَقَايِيسِ فِي الدِّينِ ‏,‏ وَلاَ أَنَّ الشَّرِيعَةَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى مَا تُوجِبُهُ الآرَاءُ ‏,‏ بَلْ نَكْفُرُ بِهَذَا الْقَوْلِ ‏,‏ وَنَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ‏.‏ وَقَدْ وَجَدْنَا الْقَاتِلَ يَقْتُلُ عَدَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ظُلْمًا فَيَعْفُو عَنْهُ أَوْلِيَاؤُهُمْ ‏,‏ فَيُحَرَّمُ دَمُهُ ‏,‏ وَيَمْضِي سَالِمًا لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ ‏,‏ ثُمَّ يَسْرِقُ دِينَارًا ‏,‏ أَوْ يَزْنِي بِأَمَةٍ سَوْدَاءَ فَيَعْفُو عَنْهُ رَبُّ الدِّينَارِ ‏,‏ وَسَيِّدُ السَّوْدَاءِ ‏,‏ فَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ ‏,‏ وَلاَ الْقَتْلُ بِالْحِجَارَةِ إنْ كَانَ مُحْصَنًا وَأَيْنَ هَذَا وَالدِّينَارُ مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ وَوَجَدْنَاكُمْ تَقُولُونَ ‏:‏ إنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الْمَرْأَةِ ‏,‏ وَلاَ تُؤَدِّيهَا عَنْ نَفْسِهَا ‏,‏ بَلْ يُؤَدِّيهَا عَنْهَا غَيْرُهَا وَهُوَ زَوْجُهَا‏.‏ وَيَقُولُ الْحَنَفِيُّونَ ‏:‏ الْأُضْحِيَّةُ فَرْضٌ عَلَى الْمَرْأَةِ فَلاَ تُؤَدِّيهَا هِيَ ‏,‏ لَكِنْ يُؤَدِّيهَا عَنْهَا زَوْجُهَا ‏,‏ فَإِذَا قُلْتُمْ هَذَا حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام ‏,‏ وَأَنْتُمْ أَهْلُ آرَاءٍ وَقِيَاسٍ فِي الدِّينِ فَنَحْنُ أَوْلَى بِأَنْ نَقُولَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ فَإِنَّ احْتِجَاجَكُمْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ فَذَكَرَ الصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ ‏,‏ وَالْمَجْنُونَ حَتَّى يُفِيقَ‏.‏

قلنا ‏:‏ نَحْنُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ قَائِلُونَ بِهِ ‏,‏ وَمُسْقِطُونَ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كُلَّ حُكْمٍ وَرَدَ بِخِطَابِ أَهْلِ ذَلِكَ الْحُكْمِ ‏;‏ لأََنَّهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ ‏,‏ فَهُمَا خَارِجَانِ عَمَّنْ خُوطِبَ بِذَلِكَ الْحُكْمِ ‏,‏ وَنَحْنُ نُلْزِمُهُمَا كُلَّ غَرَامَةٍ فِي مَالٍ جَاءَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ بِغَيْرِ خِطَابٍ لأََهْلِهِ ‏,‏ وَالْحُكْمُ هَاهُنَا جَاءَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ بِأَنَّ الدِّيَةَ وَالْغُرَّةَ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ وَلَمْ يُخَاطِبْ الْعَصَبَةَ ‏,‏ وَلاَ الْتَفَتَ عليه السلام إلَى اعْتِرَاضِ مَنْ اعْتَرَضَ مِنْهُمْ ‏,‏ بَلْ أَنْفَذَ الْحُكْمَ عَلَيْهِمْ ‏,‏ فَنَحْنُ نُنْفِذُ الْحُكْمَ بِإِيجَابِ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْعَصَبَةِ ، وَلاَ نُبَالِي صِبْيَانًا كَانُوا أَوْ مَجَانِينَ أَوْ غُيَّبًا أَوْ حَاضِرِينَ ‏,‏ وَلَمْ نُوجِبْ ذَلِكَ فِيمَا جَنَاهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ ‏;‏ لأََنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فِيمَا قَتَلَهُ مُخَاطَبُ الْكَفَّارَةِ ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ صِفَاتِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي مِقْدَارِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْ الْعَصَبَةِ فَوَجَدْنَا قَوْمًا قَالُوا ‏:‏ لاَ يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ إِلاَّ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ أَوْ ثَلاَثَةٌ‏.‏ وَقَوْمًا قَالُوا ‏:‏ يُؤْخَذُ مِنْ الْغَنِيِّ نِصْفُ دِينَارٍ ‏,‏ وَمِنْ الْمُقِلِّ رُبُعُ دِينَارٍ فَكَانَتْ هَذِهِ حُدُودًا لَمْ يَأْتِ بِهَا حُكْمٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلاَ مِنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُلْتَفَتَ إلَيْهَا وَوَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ مَا الْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ‏}‏‏.‏ وَحَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدِّيَةِ ‏,‏ وَبِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ ‏,‏ فَوَجَبَ أَنْ يَحْمِلُوا مِنْ ذَلِكَ مَا يُطِيقُونَ ‏,‏ وَمَا لاَ حَرَجَ عَلَيْهِمْ فِيهِ ‏,‏ وَمَا لاَ يَبْقَوْنَ بَعْدَهُ فِي عُسْرٍ ‏,‏ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ أَعْنِي الْعُسْرَ بِنَا قَطُّ ‏,‏ فَيُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الْمَرْءِ مَا لاَ يَبْقَى بَعْدَهُ مُعْسِرًا ‏,‏ أَوْ يُعْدَلُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَمَنْ احْتَمَلَ مَالُهُ أَبْعِرَةً كَثِيرَةً ‏,‏ وَلَمْ يُجْحِفْ ذَلِكَ بِهِ كُلِّفَ ذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يَحْتَمِلْ إِلاَّ جُزْءًا مِنْ بَعِيرٍ كَذَلِكَ ‏:‏ أَشْرَكَ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ مِنْهُمْ فِي الْبَعِيرِ ‏,‏ هَكَذَا حَتَّى تَتِمَّ الدِّيَةُ وَهَكَذَا فِي حُكْمِ الْغُرَّةِ ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى مَالِ الْمَرْءِ مِنْهُمْ وَعِيَالِهِ ‏,‏ فَتُفْرَضُ الدِّيَةُ ‏,‏ وَالْغُرَّةُ عَلَى الْفَضَلاَتِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ الَّتِي يَبْقَوْنَ بَعْدَهَا لَوْ ذَهَبَتْ أَغْنِيَاءَ فَيُعْدَلُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ ‏,‏ كَمَا قَالَ تَعَالَى ‏{‏اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى‏}‏‏.‏ وَالْعَدْلُ ‏:‏ هُوَ الأَخْذُ بِالسُّنَّةِ ‏,‏ لاَ بِأَنْ يُسَاوَى بَيْنَ ذِي الْفَضْلَةِ الْقَلِيلَةِ ‏,‏ وَالْفَضْلَةِ الْكَثِيرَةِ فَيُؤْخَذَ مِنْهُمْ سَوَاءٌ لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ الْكَثِيرِ كَثِيرٌ ‏,‏ وَمِنْ الْقَلِيلِ قَلِيلٌ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْحَقُّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2148 - مسألة‏:‏ هل يعقل عن الحليف وعن المولى من أسفل أو من فوق وعن العبد أم لا وهل يعقل عمن أسلم عن يديه أم لا وهل ينتقل الولاء بالعقل أم لا‏؟‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ قَالَ قَوْمٌ ‏:‏ يَعْقِلُ عَنْ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ مَوَالِيهِ مِنْ فَوْقُ ‏:‏ كَمَا ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ اخْتَصَمَ عَلِيٌّ ‏,‏ وَالزُّبَيْرُ ‏,‏ فِي مَوَالٍ لِصَفِيَّةَ فَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِأَنَّ الْمِيرَاثَ لِلزُّبَيْرِ ‏,‏ وَالْعَقْلَ عَلَى عَلِيٍّ‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي رَجُلٍ أَعْتَقَهُ قَوْمٌ ‏,‏ وَأَعْتَقَ أَبَاهُ آخَرُونَ قَالَ ‏:‏ يَتَوَارَثُونَ بِالأَرْحَامِ ‏,‏ وَالْعَقْلُ عَلَى الْمَوَالِي‏.‏ وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلاً يَمُوتُ قَبْلَنَا ‏,‏ وَلَيْسَ لَهُ رَحِمٌ ، وَلاَ وَلِيٌّ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ ‏:‏ إنْ تَرَكَ ذَا رَحِمٍ ‏,‏ فَالرَّحِمُ ‏,‏ وَإِلَّا فَالْوَلاَءُ ‏,‏ وَإِلَّا فَبَيْتُ الْمَالِ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ‏.‏ وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ ‏:‏ إنَّ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ ‏:‏ إنَّ رَجُلاً أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ فَمَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ‏,‏ فَتَحَرَّجْت مِنْهَا فَرَفَعْتهَا إلَيْك فَقَالَ ‏:‏ أَرَأَيْت لَوْ جَنَى جِنَايَةً عَلَى مَنْ كَانَتْ تَكُونُ قَالَ عَلَيَّ قَالَ ‏:‏ فَمِيرَاثُهُ لَكَ‏.‏ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏:‏ إذَا وَالَى الرَّجُلُ رَجُلاً فَلَهُ مِيرَاثُهُ ‏,‏ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ عَقْلُهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ ‏:‏ قُلْت لِعَطَاءٍ ‏:‏ أَبَى الْقَوْمُ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْ مَوْلاَهُمْ ‏,‏ أَيَكُونُ مَوْلَى مَنْ عَقَلَ عَنْهُ فَقَالَ ‏:‏ قَالَ مُعَاوِيَةُ ‏:‏ إمَّا أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُ ‏,‏

وَأَمَّا أَنْ نَعْقِلَ عَنْهُ ‏,‏ وَهُوَ مَوْلاَنَا ‏,‏ قَالَ عَطَاءٌ فَإِنْ أَبَى أَهْلُهُ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُ ‏,‏ وَأَبَى النَّاسُ ‏,‏ فَهُوَ مَوْلَى الْمُصَابِ‏.‏ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ إذَا أَبَتْ الْعَاقِلَةُ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْ مَوْلاَهُمْ أُجْبِرُوا عَلَى ذَلِكَ‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ‏:‏ إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْ الرَّجُلِ فَلَهُ مِيرَاثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ وَعَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِي رَجُلٍ تَوَلَّى قَوْمًا قَالَ ‏:‏ إذَا عَقَلَ عَنْهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ غَيْرَ هَذَا

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّ مَوْلًى لِبَنِي جَشْمٍ قَتَلَ رَجُلاً خَطَأً فَسَأَلَ عَدِيُّ بْنُ أَرْطَاةَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ ‏:‏ لاَ تَعْقِلُ الْعَرَبُ عَنْ الْمَوَالِي‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏,‏ وَمَالِكٌ ‏:‏ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَنْ الْمَوْلَى وَالْحَلِيفِ

وقال أبو حنيفة ‏:‏ مَنْ وَالَى غَيْرَ مَنْ أَعْتَقَهُ لَكِنْ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَيْدِيهِمْ فَلَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُمْ وَيُوَالِيَ غَيْرَهُمْ مَا لَمْ يَعْقِلُوا عَنْهُ ‏,‏ فَإِذَا عَقَلُوا عَنْهُ فَلاَ يُمْكِنُهُ الأَنْتِقَالُ عَنْهُمْ بِوِلاَيَةٍ أَبَدًا‏.‏ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُنَا ‏:‏ لاَ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَنْ الْمَوَالِي مِنْ أَسْفَلَ ‏,‏ وَلاَ عَنْ الْمَوْلَى مِنْ فَوْقُ ‏,‏ وَلاَ عَنْ الْحَلِيفِ ‏,‏ وَلاَ عَنْ الْعَبْدِ‏.‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نُخَلِّصَ أَقْوَالَهُمْ ثُمَّ نَذْكُرَ كُلَّ مَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا ‏;‏ لِيَظْهَرَ الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتَّبِعَهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنِّهِ ‏:‏ فَكَانَ الْحَاصِلُ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ الْمَوَالِيَ مِنْ فَوْقُ يَعْقِلُونَ عَنْ الْمَوَالِي الَّذِينَ أَعْتَقُوهُ ‏,‏ أَوْ أَعْتَقَهُ مَنْ هُوَ مِنْهُمْ ‏,‏ وَأَنَّ ذَوِي الرَّحِمِ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْمَوَالِي الَّذِينَ أَعْتَقُوهُ ‏,‏ ثُمَّ الْمُعْتِقُونَ ‏,‏ ثُمَّ الْمُسْلِمُونَ‏.‏ وَظَاهِرُ هَذَا ‏:‏ أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا يَعْقِلُ عَنْهُ ‏,‏ وَأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ إنْسَانٍ فَوَلاَؤُهُ لَهُ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ‏.‏ وَصَحَّ مِنْ قَوْلِ مُعَاوِيَةَ أَنَّ الْمَوَالِيَ مِنْ فَوْقُ يَعْقِلُونَ عَمَّنْ أَعْتَقُوهُ ‏,‏ فَإِنْ أَبَوْا عَقَلَ عَنْهُمْ الْإِمَامُ وَزَالَ وَلاَؤُهُ عَنْ الَّذِينَ أَعْتَقُوهُ إلَى الَّذِي عَقَلَ عَنْهُ

وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ ثَابِتٌ ‏;‏ لأََنَّ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ أَدْرَكَهُ‏.‏ وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ‏:‏ أَنَّ الْمُعْتِقِينَ يَعْقِلُونَ عَنْ مَوْلاَهُمْ الَّذِي أَعْتَقُوهُ ‏,‏ وَعَمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ ‏:‏ أَنَّهُ لاَ يَعْقِلُ الْمُعْتِقُونَ عَمَّنْ أَعْتَقُوا

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَوَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي طَلَبِ الْبُرْهَانِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا وَهُوَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ فَوَجَدْنَا مَنْ يَقُولُ ‏:‏ إنَّ الْمُعْتِقِينَ يَعْقِلُونَ عَمَّنْ أَعْتَقُوهُ يَقُولُونَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ‏.‏

وَقَالَ عليه السلام كُلُّ حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الإِسْلاَمُ إِلاَّ شِدَّةً‏.‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ‏,‏ وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ زَكَرِيَّا عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لاَ حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الإِسْلاَمُ إِلاَّ شِدَّةً‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ ‏:‏ كَانَتْ ثَقِيفُ حُلَفَاءَ لِبَنِي عَقِيلٍ فَأَسَرَتْ ثَقِيفُ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً مِنْ بَنِي عَقِيلٍ وَأَصَابُوا مَعَهُ الْعَضْبَاءَ ‏,‏ فَأَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْوَثَاقِ فَقَالَ ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ فَأَتَاهُ فَقَالَ ‏:‏ مَا شَأْنُكَ فَقَالَ ‏:‏ بِمَ أَخَذْتَنِي وَأَخَذْتَ سَابِقَةَ الْحَاجِّ قَالَ ‏:‏ إعْظَامًا لِذَلِكَ أَخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفَ ‏,‏ ثُمَّ انْصَرَفَ ‏,‏ فَنَادَاهُ ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ ‏,‏ يَا مُحَمَّدُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفِيقًا فَرَجَعَ إلَيْهِ فَقَالَ ‏:‏ مَا شَأْنُكَ فَقَالَ ‏:‏ إنِّي مُسْلِمٌ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَك أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلاَحِ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ قَالُوا ‏:‏ فَإِذَا كَانَ الْمَوْلَى مِنْ الْقَوْمِ ‏,‏ وَالْحَلِيفُ مِنْ الْقَوْمِ وَهُمْ مَأْخُوذُونَ بِجَرِيرَتِهِ فَالْعَقْلُ عَلَيْهِ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَهَذِهِ الأَخْبَارُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّهُمْ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ‏:‏ أَمَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ فَحَقٌّ لاَ شَكَّ فِيهِ ‏,‏ وَلَيْسَ كَوْنُهُ مِنْهُمْ مُوجِبًا أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُ ‏;‏ لأََنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ أَيْضًا ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُوجِبًا عِنْدَهُمْ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ هُوَ غُنْدَرٌ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ ‏:‏ سَمِعْت قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ‏:‏ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَنْصَارَ وَقَالَ ‏:‏ أَفِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ قَالُوا ‏:‏ لاَ ‏,‏ إِلاَّ ابْنَ أُخْتٍ لَنَا ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ‏.‏ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لاََنْ يَعْقِلَ عَنْهُمْ ‏,‏ أَوْ يَعْقِلُوا عَنْهُ إذْ لاَ يَقْتَضِي قَوْلُهُ عليه السلام مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْعُقَيْلِيِّ أَخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ مِنْ ثَقِيفَ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً لِوُجُوهٍ ‏:‏ أَحَدُهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ إذْ أَخْذُهُ مُسْلِمًا حَرَامٌ أَخْذُهُ لَوْلاَ جَرِيرَةُ حُلَفَائِهِ ‏,‏ بَلْ أَخَذَ كَافِرًا حَلاَلاً أَخْذُهُ ‏,‏ وَدَمُهُ ‏,‏ وَمَالُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّهُ تَأَكَّدَ أَمْرُهُ مِنْ أَجْلِ جَرِيرَةِ حُلَفَائِهِ فَقَطْ وَلَسْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا نَحْنُ فِي مُسْلِمِينَ حَرَامٌ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ ‏,‏ هَلْ يُؤْخَذُونَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِهِمْ أَمْ لاَ‏.‏ وَثَانِيهَا ‏:‏ أَنَّ مِثْلَ تِلْكَ الْجَرِيرَةِ لاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِهَا مُسْلِمٌ عَنْ مُسْلِمٍ وَلَوْ أَنَّ حُلَفَاءَ الْإِنْسَانِ أَوْ إخْوَانَهُ أَوْ أَبَاهُ أَوْ وَلَدَهُ ‏:‏ يَأْسِرُ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ أَوْ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ ‏:‏ لَمْ يَحِلَّ لأََحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ حَلِيفَهُ ‏,‏ وَلاَ أَخَاهُ ‏,‏ وَلاَ ابْنَهُ ‏,‏ وَلاَ أَبَاهُ عَنْهُ‏.‏ وَثَالِثُهَا ‏:‏ أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ‏;‏ لأََنَّهُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ ‏,‏ وَقِيَاسُ مُؤْمِنٍ عَلَى كَافِرٍ ‏,‏ وَجِنَايَةِ قَتْلِ خَطَأٍ عَلَى أَسْرِ كُفَّارٍ لِمُؤْمِنٍ وَهَذَا تَخْلِيطٌ مِمَّنْ مَوَّهَ بِهَذَا الْخَبَرِ فَحَرَّفَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ‏:‏ لاَ حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ ‏,‏ وَكُلُّ حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الإِسْلاَمُ إِلاَّ شِدَّةً فَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ ‏;‏ لأََنَّنَا لَمْ نُخَالِفْهُمْ فِي بَقَاءِ حِلْفِ الْجَاهِلِيَّةِ وَإِبْطَالِ الْحِلْفِ فِي الإِسْلاَمِ فَيَحْتَجُّوا عَلَيْنَا بِهَذَا الْخَبَرِ ‏,‏ وَإِنَّمَا الْكَلاَمُ هَلْ يَعْقِلُ الْحُلَفَاءُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ أَمْ لاَ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَمَا مَعْنَى بَقَاءِ الْحِلْفِ إذَا قلنا ‏:‏ مَعْنَاهُ ظَاهِرٌ ‏,‏ وَهُوَ أَنْ يَكُونُوا مَعَهُمْ كَأَنَّهُمْ مِنْهُمْ ‏,‏ فَإِذَا غَزَوْا غَزَوْا مَعَهُمْ ‏,‏ وَإِذَا كَانَتْ لَهُمْ حَاجَةٌ تَكَلَّمُوا فِيهَا كَمَا يَتَكَلَّمُ الأَهْلُ ‏,‏ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ

وَأَمَّا إيجَابُ غَرَامَةٍ فَلاَ‏.‏ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ قَالَ ‏:‏ قِيلَ لأََنَسِ بْنِ مَالِكٍ ‏:‏ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَفَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ فِي دَارِهِ‏.‏ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ ‏:‏ فِي دَارِهِ بِالْمَدِينَةِ

قَالَ عَلِيٌّ رحمه الله ‏:‏ فَهَذَا أَعْظَمُ حُجَّةً فِي إبْطَالِ أَنْ يَعْقِلَ الْحَلِيفُ عَنْ حَلِيفِهِ ‏;‏ لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَفَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ ‏,‏ وَلاَ حِلْفَ أَقْوَى وَأَشَدَّ مِنْ حِلْفٍ عَقَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ عَقَلَ الْحُلَفَاءُ عَنْ الْحَلِيفِ لَوَجَبَ أَنْ تَعْقِلَ قُرَيْشٌ عَنْ الأَنْصَارِ ‏,‏ وَالأَنْصَارُ عَنْ قُرَيْشٍ وَهَذَا مَا لاَ يَقُولُونَهُ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَوَاجِبٌ أَنْ نَطْلُبَ مَعْرِفَةَ الْوَقْتِ الَّذِي قَطَعَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ ‏:‏ فَذُكِرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ إنَّ كُلَّ حِلْفٍ كَانَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ فَهُوَ مَشْدُودٌ ‏,‏ وَكُلَّ حِلْفٍ كَانَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ فَهُوَ مَنْقُوضٌ ‏;‏ لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَادَعَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ كَتَبَ عليه السلام حِينَئِذٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ‏:‏ أَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَعَقْدِهَا دَخَلَ ‏,‏ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَهْدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَقْدِهِ دَخَلَ‏.‏ وَقَضَى عُثْمَانُ ‏:‏ أَنَّ كُلَّ حِلْفٍ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَهُوَ جَاهِلِيٌّ ثَابِتٌ ‏,‏ وَكُلَّ حِلْفٍ كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فَهُوَ فِي الإِسْلاَمِ ‏,‏ وَهُوَ مَفْسُوخٌ ‏,‏ قَضَى بِذَلِكَ فِي قَوْمٍ مِنْ بَنِي بَهْزٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ‏.‏ وَقَضَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ‏:‏ أَنَّ كُلَّ حِلْفٍ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ لأَِيلاَفِ قُرَيْشٍ فَهُوَ جَاهِلِيٌّ ثَابِتٌ وَكُلَّ حِلْفٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِهَا فَهُوَ إسْلاَمِيٌّ مَفْسُوخٌ ‏;‏ لأََنَّ مَنْ حَالَفَ لِيَدْخُلَ فِي قُرَيْشٍ بَعْدَ نُزُولِ لأَِيلاَفِ قُرَيْشٍ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ دَاخِلاً فِيهِمْ ‏,‏ قَضَى فِي ذَلِكَ فِي حِلْفِ رَبِيعَةَ الْعُقَيْلِيِّ ‏,‏ فِي جُعْفِيٍّ ‏,‏ وَهُوَ جَدُّ إِسْحَاقَ بْنِ مُسْلِمٍ الْعُقَيْلِيِّ ‏;‏ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ‏:‏ كُلُّ حِلْفٍ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ إلَى قَوْلِهِ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ فَهُوَ مَشْدُودٌ ‏,‏ وَكُلُّ حِلْفٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِهَا فَهُوَ مَفْسُوخٌ ‏,‏ فَوَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ ‏:‏

فأما قَوْلُ عُثْمَانَ رضي الله عنه إنَّ حَدَّ انْقِطَاعِ الْحِلْفِ إنَّمَا هُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْهِجْرَةِ ‏,‏ فَلاَ يَصِحُّ ‏;‏ لأََنَّ أَنَسًا رَوَى كَمَا ذَكَرْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَفَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ ‏,‏ وَلاَ يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّ هَذَا الْحِلْفَ كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه فِي تَحْدِيدِهِ انْقِطَاعَ الْحِلْفِ بِيَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ فَهَذَا أَيْضًا مُتَوَقِّفٌ ‏;‏ لأََنَّ حِلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ ‏,‏ وَلاَ نَدْرِي أَقَبْلَ الْحُدَيْبِيَةَ أَمْ بَعْدَهَا‏.‏

فأما نُزُولُ لأَِيلاَفِ قُرَيْشٍ وَالآيَةِ الْأُخْرَى فَمَا نَدْرِي مَتَى نَزَلَتَا لأََنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ رَاوِي كُلُّ حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الإِسْلاَمُ إِلاَّ شِدَّةً لَمْ يُسْلِمْ إِلاَّ يَوْمَ الْفَتْحِ ‏,‏ فَلاَ يُحْمَلُ هَذَا الْخَبَرُ إِلاَّ عَلَى يَوْمِ الْفَتْحِ ‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الأَخْبَارِ جُمْلَةً‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَوَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَطْلُبَ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الأَخْبَارِ ‏,‏ فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَصَبَةِ هَكَذَا جَاءَ النَّصُّ فِي خَبَرِ دِيَةِ الْقَاتِلَةِ ‏,‏ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ عَلَى الْعَصَبَةِ ‏,‏ وَمَنْ هُمْ الْعَصَبَةُ فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَكَمَ بِمِيرَاثِ الْقَاتِلَةِ لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَحَكَمَ بِالدِّيَةِ عَلَى عَصَبَتِهَا فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ الْوَرَثَةُ هُمْ الْعَصَبَةُ بِخِلاَفِ مَا قَالَ الشَّعْبِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ الْعَقْلُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِيرَاثُ ‏,‏ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَعَلَّ مُحْتَجًّا يَحْتَجُّ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلأََوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ‏.‏ فَيَقُولُ ‏:‏ إنَّ هَذَا حُكْمُ الْمَوْلَى مِنْ فَوْقُ فَيُقَالُ لَهُ ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ هَذَا صَحِيحٌ ‏,‏ وَهَذَا حُكْمُ الْمَوَارِيثِ لاَ حُكْمُ الْعَاقِلَةِ ‏;‏ لأََنَّهُ قَدْ تَرِثُ بِالْوَلاَءِ الْمَرْأَةُ إذَا أَعْتَقَتْ مَوْلًى لَهَا وَلَيْسَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الْعَصَبَةِ‏.‏

2149 - مسألة‏:‏ تعاقل أهل الذمة

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو ، هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَقُولُ فِي الْمُعَاهِدِ يَقْتُلُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ إنْ كَانُوا يَتَعَاقَلُونَ فَعَلَى الْعَوَاقِلِ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ لاَ ‏,‏ فَدَيْنٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَذِمَّتِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الْمُعَاهِدِ يَقْتُلُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ دِيَتُهُ لِلْمُسْلِمِينَ ‏,‏ وَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ قَالَ ‏:‏ دِيَتُهُ عَلَى أَهْلِ طسوجه‏.‏ فَهَذِهِ أَقْوَالٌ مِنْهَا ‏:‏ أَنَّ أَهْلَ إقْلِيمِهِ يَعْقِلُونَ عَنْهُ وَهُوَ لَيْسَ بِشَيْءٍ ‏;‏ لأََنَّ أَهْلَ طسوجه لاَ يُسَمَّوْنَ عَصَبَةً لَهُ بِلاَ خِلاَفٍ‏.‏ وَقَوْلٌ آخَرُ أَنَّ عَقْلَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ وَهَذَا كَذَلِكَ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ عَصَبَةٌ فَعَقْلُ مَنْ قَتَلَ خَطَأً وَالْغُرَّةُ تَجِبُ عَلَيْهِ وَعَلَى عَصَبَتِهِ كَمَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ عَرَبًا مِنْ عَجَمٍ بَلْ جَعَلَ عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ فَعَمَّ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏.‏

2150 - مسألة‏:

حُكْمُ مَا جَنَى الْعَبْدُ فِي ذَلِكَ ‏:‏ إنْ قَتَلَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُدَبَّرُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ ‏,‏ أَوْ الْمُكَاتَبُ مُسْلِمًا خَطَأً ‏,‏ أَوْ جَنَوْا عَلَى حَامِلٍ فَأُصِيبَ جَنِينُهَا ‏,‏ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي قَضَاؤُهُ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الدِّيَةَ وَالْغُرَّةَ عَلَى عَصَبَةِ الْجَانِي فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَأَنَّ عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ وَلَمْ يَخُصَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ‏.‏ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى‏.‏ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏.‏ وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ أَنْ يَخُصَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ لَبَيَّنَهُ وَلَمَا أَهْمَلَهُ ، وَلاَ أَغْفَلَهُ ‏,‏ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ‏{‏لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ‏}‏ فَكُلُّ مَا لَمْ يُبَيِّنْهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ فَصَّلَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ ‏,‏ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ وَقَدْ حَكَمَ عليه السلام عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ‏.‏ وَالْبُطُونُ هِيَ الْوِلاَدَاتُ أَبًا بَعْدَ أَبٍ ‏,‏ فَهِيَ فِي الْعَجَمِ ‏,‏ كَمَا هِيَ فِي الْعَرَبِ وَفِي الأَحْرَارِ ‏,‏ كَمَا هِيَ فِي الْعَبِيدِ ‏,‏ فَوَاجِبٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ الْعَبِيدِ يُعْرَفُ نَسَبُهُ وَلَهُ عَصَبَةٌ ‏,‏ كَقُرَشِيٍّ ‏,‏ أَوْ عَرَبِيٍّ ‏,‏ أَوْ عَجَمِيٍّ ‏,‏ تَزَوَّجَ أَمَةً فَرَقَّ وَلَدُهَا مِنْهَا ‏,‏ فَإِنَّ الدِّيَةَ عَلَى عَصَبَتِهِ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ إنَّهُمْ لاَ يَرِثُونَهُ

قلنا ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَصَبَةِ لاَ عَلَى الْوَرَثَةِ بِنَصِّ حُكْمِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام وَهُوَ الْحَقُّ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَطُّ غَيْرَهُ مِمَّا لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ‏.‏

1251 - مسألة‏:‏

مَنْ لاَ عَاقِلَةَ لَهُ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ‏,‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ الرَّجُلَ يَمُوتُ بَيْنَنَا لَيْسَ لَهُ رَحِمٌ ، وَلاَ مَوْلًى ، وَلاَ عَصَبَةٌ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ ‏:‏ إنْ تَرَكَ رَحِمًا فَرَحِمٌ ‏,‏ وَإِلَّا فَالْمَوْلَى ‏,‏ وَإِلَّا فَلِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ ‏:‏ يَرِثُونَهُ ‏,‏ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ عَقْلُهُ عَلَى عَصَبَةِ أُمِّهِ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا رَجَمَ الْمَرْأَةَ قَالَ لأََوْلِيَائِهَا ‏:‏ هَذَا ابْنُكُمْ تَرِثُونَهُ وَيَرِثُكُمْ ‏,‏ وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً فَعَلَيْكُمْ‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ ‏:‏ إذَا لاَعَنَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ‏:‏ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ، وَلاَ يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا ‏,‏ وَأُلْحِقَ الْوَلَدُ بِعَصَبَةِ أُمِّهِ ‏,‏ وَتَرِثُهُ ‏,‏ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَيْضًا وَهُوَ النَّخَعِيُّ فِي وَلَدِ الْمُلاَعَنَةِ قَالَ ‏:‏ مِيرَاثُهُ كُلُّهُ لأَُمِّهِ ‏,‏ وَيَعْقِلُ عَنْهُ عَصَبَتُهَا ‏,‏ كَذَلِكَ وَلَدُ الزِّنَى ‏,‏ وَوَلَدُ النَّصْرَانِيِّ وَأُمُّهُ مُسْلِمَةٌ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ عَلَى مَنْ كَانَ مِثْلَهُ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ أَسْلَمَ وَلَيْسَ لَهُ مَوَالٍ ‏,‏ فَقَتَلَ رَجُلاً خَطَأً فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ‏:‏ أَنْ اجْعَلُوهَا دِيَةً عَلَى نَحْوِهِ مِمَّنْ أَسْلَمَ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ عَلَى مَنْ كَانَ مِثْلَهُ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّ سَائِبَةً مِنْ سُيَّبِ مَكَّةَ أَصَابَتْ إنْسَانًا فَجَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‏,‏ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ ‏:‏ لَيْسَ لَك شَيْءٌ ‏,‏ أَرَأَيْت لَوْ شَجَجْته قَالَ ‏:‏ آخُذُ لَهُ مِنْك حَقَّهُ ‏,‏ وَلاَ تَأْخُذُ لِي مِنْهُ قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ هُوَ إذًا الأَرْقَمُ أَنْ يَتْرُكَنِي أُلْقِمُ وَأَنْ يَقْتُلُونِي أَنْقِمُ ‏,‏ قَالَ عُمَرُ ‏:‏ فَهُوَ الأَرْقَمُ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِي هَذَا فَوَجَدْنَا اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ ‏{‏وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً‏}‏ الآيَةَ‏.‏ وَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَضَى مُجْمَلاً فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ‏,‏ فَكَانَ هَذَانِ النَّصَّانِ عَامَّيْنِ لِكُلِّ مَنْ لَهُ عَاقِلَةٌ ‏,‏ وَلِكُلِّ مَنْ لاَ عَاقِلَةَ لَهُ ، وَلاَ عَصَبَةَ ‏;‏ لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ قَضَى بِالدِّيَةِ وَالْغُرَّةِ عَلَى الْعَصَبَةِ لَمْ يَقُلْ ‏:‏ إنَّهُ لاَ يَجِبُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ عَلَى مَنْ لاَ عَصَبَةَ لَهُ فَإِذْ لَمْ يَقُلْ ‏,‏ وَقَضَى بِالْغُرَّةِ جُمْلَةً ‏,‏ وَقَضَى اللَّهُ تَعَالَى بِدِيَةٍ مُسَلَّمَةٍ إلَى أَهْلِ الْمَقْتُولِ خَطَأً عُمُومًا ‏:‏ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا فِيمَنْ قَتَلَهُ خَطَأً مَنْ لَهُ عَصَبَةٌ ‏,‏ وَمَنْ لاَ عَصَبَةَ لَهُ ‏,‏

وَكَذَلِكَ الْغُرَّةُ فَوَجَبَ أَنْ لاَ تَسْقُطَ الدِّيَةُ ‏,‏ وَلاَ الْغُرَّةُ هَاهُنَا أَيْضًا ‏,‏ إذْ لَمْ يُسْقِطْهَا نَصٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَلاَ مِنْ رَسُولِهِ عليه السلام‏.‏

فَنَظَرْنَا فِي هَذِهِ الأَقْوَالِ فَوَجَدْنَا مَنْ جَعَلَهَا فِي مَالِ الْجَانِي ‏,‏ أَوْ عَلَى عَصَبَةِ أُمِّهِ ‏,‏ أَوْ عَلَى مِثْلِهِ مِمَّنْ أَسْلَمَ ‏:‏ قَدْ خَصَّ بِالْغَرَامَةِ قَوْمًا دُونَ سَائِرِ النَّاسِ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ ‏;‏ لأََنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَغْرَمَ أَحَدٌ غَرَامَةً لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِهَا نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ‏,‏ وَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى ‏,‏ وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام إنَّ الدِّيَةَ يَغْرَمُهَا الأَخْوَالُ ‏,‏ وَلاَ الْجَانِي ‏,‏ وَلاَ مَنْ أَسْلَمَ مَعَ الْجَانِي فَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُمْ ‏;‏ لأََنَّهُمْ وَغَيْرَهُمْ سَوَاءٌ فِي تَحْرِيمِ أَمْوَالِهِمْ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ ‏:‏ إنَّ الدِّيَةَ وَالْغُرَّةَ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ مِنْ الصَّدَقَاتِ ‏,‏ أَوْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَالٍ مَوْقُوفٍ لِجَمِيعِ مَصَالِحِهِمْ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهَذَا ‏;‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الدِّيَةَ فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ قُتِلَ خَطَأً ‏,‏ وَأَوْجَبَ الْغُرَّةَ فِي كُلِّ جَنِينٍ أُصِيبَ عُمُومًا ‏,‏ إِلاَّ وَلَدَ الزِّنَى وَحْدَهُ ‏,‏ وَمَنْ لاَ يَلْحَقُ بِمَنْ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ مِنْهُ فَقَطْ ‏;‏ لأََنَّ الْوِلاَدَاتِ مُتَّصِلَةٌ مِنْ آدَمَ عليه السلام إلَيْنَا ‏,‏ وَإِلَى انْقِرَاضِ الدُّنْيَا أَبًا بَعْدَ أَبٍ فَكُلُّ مَنْ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ فَلَهُ عَصَبَةٌ يَعْلَمُهَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ بَعِدُوا عَنْهُ ، وَلاَ بُدَّ إِلاَّ مَنْ ذَكَرْنَا‏.‏ فَإِنْ كَانَتْ الْعَصَبَةُ مَجْهُولَةً ‏,‏ أَوْ كَانُوا فُقَرَاءَ ‏,‏ فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذْ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ الدِّيَةَ ‏,‏ وَالْغُرَّةَ وَخَفِيَ أَمْرُهُمْ فَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْغَارِمِينَ ‏,‏ فَحَقُّهُمْ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ مِنْ الصَّدَقَاتِ وَاجِبٌ ‏,‏ فَتُؤَدَّى عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ كَوَلَدِ الزِّنَى ‏,‏ وَابْنِ الْمُلاَعَنَةِ ‏,‏ وَمَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ ‏,‏ وَوَلَدِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْمَجْنُونِ يَغْتَصِبُهَا ‏,‏ وَنَحْوِ ذَلِكَ ‏,‏ فَهَذَا لاَ عَصَبَةَ لَهُ بِيَقِينٍ أَصْلاً ‏,‏ لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ الدِّيَةَ ‏,‏ وَفِي الْجَنِينِ الْغُرَّةَ ‏,‏ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ عَامًّا ‏,‏ لاَ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ‏.‏ وَهَكَذَا وَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ‏,‏ إذْ وَدَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ رضي الله عنه مِنْ الصَّدَقَاتِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ ‏,‏

وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي ‏"‏ كِتَابِ الْقَسَامَةِ ‏"‏ إذْ لَمْ يُعْرَفْ مَنْ قَتَلَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏